باسل رياض حورانيه

المقدمة:

فى تنبّؤ  ( تصًورى  ) للكاتبان , هانس بيترمارتين  و هارالد شومان , " بأن القرّن القادم سيكون هناك فقط ما نسبتة 20 بالّمائة من السكان اللذين يمكنهم العمل والحصول على الدخل والعيش في رغًد وسلام  , وأما نسبة الثمانين بالّمائة ستمثل السكان الفائضين عن الحاجة الذين لايمكنهم العيش الا من خلال الإحسان والتبرعات واعمال الخير" (1)

وفي مقاربة مقارنة لما إدعاه سوروس " بأن انهيار السوق العالمية سيكون حدثاً مؤلماً يسفر عن نتائج يتعذر تصورها , ومع ذلك يضيف سوروس قائلاً , أجد بأن تصوّر هذا الانهيار أسّير من تصوّر استمرار النظام الراهن " (2)

بين هاتين المقاربتين نجد أن حتميّة فرض المنطق العلمي في دراسة علاقات التعاون بين أجزاء عالمنا الأرضي ضرورة لا بد منها , حيث تمثّل العقود الثلاث الأخيرة حداً فاصلاً في تطوّر أو تدهوّر العلاقات الاقتصادية الدولية خاصة العلاقات بين الشمال الغنّي والجنوب الفقير . هذا بالإضافة إلى الفجوة التكنولوجية السحيقة بين الطرفين , والتي تخلق بدورها فجوات في التنمية الاقتصادية والهياكل السياسية والاجتماعية .

لقد كانت الدول النامية  وما زالت في هامش منظومة , الرأسمال العالمي , فبعد قرن طغت فيه الأفكار الإشتراكية والديموقراطية ومبادئ العدالة الإجتماعية , تلوح الآن في الأفق حركة مضاضّة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات , وربما ستزداد الأمور  سوءاً  مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى الليبرالية الحديثة (3)

ثمّة إنكسارات جذرية , ربما ستطيح بكل ما تم إنجازه ...!!

وما من منجد سوى لغة العقل ,واللتى تتضمن حواراً بناءً قائماً على النديّة , وهنا نؤكد على تعبير ومفهوم حوار الانداد ....!! لأنّ مفهوم الحوار مقترن بالنّديّة فحسب .

وذلك على عكس ما تم إقامته من علاقات قائمة على المصلحة والهيمنة من قبل دول الشمال تقابلها التبعية والتخلف من قبل دول الجنوب .

كثيرة هي الأسباب التي أدت إلى فشل سياسات التعاون بين الشمال والجنوب من جهة , وبين الجنوب والجنوب من جهة أخرى , منها ما هو تنظيمي , ومنها ما هو غائي , وفي كلتى الحالتين فقد كانت هناك مؤثرات تحيط بهكذا نوع من العلاقات على الصعيد العالمي أو الإقليمي أو المحلي .

ـــــــــ

1-      هنس بيترمارتين , هارت شومان , فخ العولمة , ترجمة عدنان علي ,عالم المعرفة عدد 238 , الكويت 1998 ص7

2-       جون جراي , الفجر الكاذب , ترجمة أحمد بلبع , مكتبة الشروق , ط1 القاهرة 2000 .ص7 .

3-      هانس بيرترمارتين , بيتر مارتين فخ العولمة مرجع سابق ص8

 

 

ثمّة إشكالية تظرح نفسها , ألا وهي ما هي العلاقة بين العولمة النيوليبرالية والحوار بين الشمال والجنوب , وهل أن فشل الأخير أدى إلى انفلات الأولى....؟

وهل أن اللامساواة التي نعيشها هى  نتيجة لممارسات العولمة النيوليبرالية ...؟

عناوين كبيرة .....!؟

سنحاول في هذه الورقة البحثية , أن نتطرق إلى الإجابة عليها مستندين في ذلك على المنهج التاريخي والمنهج التحليلي , إضافة إلى المنهج المقارن الذي سيوضح لنا حقائق ربما ستفيدنا في طريقة التفكير واختيار المنهج السليم في علاقات بعضنا البعض ,  وذلك باستخدام عدة مراجع معرفية وأكاديمية , مبتدئين بمقدمة تتضمن إشكاليتنا و منتهين بخاتمة نستخلص بها ما تقدمنا به من فصلين تضمن كل منهما قسمين , فيهما العديد الفقرات والنبذات .

آملين بأن نكون قد استطعنا قدر الإمكان الإجابة على إشكاليتنا , بالرغم من تشعب الموضوع واتجاهه بالعمق نحو الجانب السياسي أكثر منه نحو الجانب الاقتصادي .

فما بدأنا به غيرنا إنتهى إليه , وما سننتهي منه غيرنا ربما سيبدأ به .......!!

 


الفصل الأول

 

القسم الأول :أسباب ومنطلقات الحوار

 

الفقرة الأولى: أسباب الحوار:

   إن المراقبين يُجمعون على أن الحوار بين الشمال والجنوب تبلّور بشكل واضح في السبعينينيات، وخاصة بعد الأزمة النفطية. غير أن هذا الحوار تمَّ التمهيد له سابقاً، ويمكن إعادة بداية فكرة الحوار إلى عام 1961 عندما انعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، حيث برز فيها تحالف الدول النامية في التصويت من أجل عقده(1)، غير أننا نعتبر أنه ثمّة أسباب مباشرة وغير مباشرة أدت إلى الحوار.

أولاً: الأسباب غير المباشرة:

   تتمثل هذه الأسباب في فشل سياسة المساعدات في تحقيق التنمية في دول الجنوب من جهة، والصدمة النقدية /1971 / من جهة أخرى .

1.     فشل سياسة المساعدات:

   لقد تميزت المرحلة الأولى لظهور الدول الحديثة بالتركيز على المساعدات الاقتصادية الممنوحة للدول النامية، ولهذا الغرض تمَّ إنشاء مؤسسات دولية تنظم منح هذه المساعدات، وأهم هذه المؤسسات هي صندوق النقد والبنك الدوليين، بيد أن هذه المؤسسات شأنها شأن سائر المؤسسات خاضعة لنفوذ الدول الكبرى، فسياسة صندوق النقد تحددها دولتان هما الولايات المتحدة وبريطانيا، أما البنك الدولي فلا يمنح قروضه إلا للمشاريع الإنتاجية دون الاكتراث لأهمية هذه المشاريع بالنسبة لضرورات الإنماء في دول الجنوب.

2.    الصدمة النقدية:

   منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى بداية السبعينات كان الدولار قابل للصرف بالذهب، وهذا ما أرسته اتفاقيات بريتون وودز، غير أن هذا النظام تعرض للعديد من الخضّات في آواخر الستينينيات، ولذلك فلم يكن انهيار نظام بريتون وودز, مفاجأة لكثير من متتبعي نظام النقد الدولي(2)، وما حدث أنه في 15 آب /1971/ أصدر الرئيس الأمريكي نيكسون قرار بفصم الدولار الأمريكي عن الذهب، مما أسدل الستار على الربع قرن المجيد، حيث

 

ـــــــــ

1-.د. عبدالله هدية، حوار الشمال والجنوب وأزمة تقسيم العمال الدولي والشركات المتعددة الجنسية، دار الشباب قبرص، ط1، 1986.

2.زينب عوض الله، العلاقات الاقتصادية الدولية، الدار الجامعية

 

ظهرت فوضى نقدية عالمية شهدت العملات الأساسية من خلالها  تذبذباً بقيمتها التبادلية(1)، هذه الفوضى في النظام النقدي الدولي أدت الى موجات من التضخم لم يسبق لها مثيل منذ عام 1945. أما الدول النامية فكان وضعها الأسوأ بسبب تبعيتها المفرطة للدول الكبرى واعتماد اقتصاداتها على تصدير المواد الأولية.

 هذه الأزمة بالتضافر مع فشل المساعدات واندلاع الثورة النفطية ستفتح الطريق أمام ماعرف فيما بعد بالحوار شمال جنوب.

ثانياً: السبب المباشر:

الأزمة النفطية:

إن التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية يميز بين ما قبل 1973 ومابعده. فقد برز النفط ليس كمادة أولية مميزة فحسب بل كسلاح استراتيجي ذي أثر مهم في موازيين الصراع الإقليمية والدولية (2)، حيث استخدمته الدول العربية النفطية كسلاح للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل، هذا بالإضافة إلى عمليات التأميم وتالياً رفع الأسعار حيث وصلت في سنة 1974 اضعاف ماكانت عليه عام 1971.

   وقد ترتب على أزمة النفط منذ 1973 ظواهر عدّة جديدة أثرت في الاقتصاد الدولي وأهم هذه الظواهر هي أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى ارتفاع تكلفة الطاقة وفاتورة واردات الدول الصناعية من ناحية ,وزيادة الفوائض المالية لدى الدول المصدرة للنفط من جهة أخرى، فارتفعت فاتورة النفط من 28 مليار دولار عام 1970 إلى 535 مليار دولار عام 1980 (3)، هنا شعر الغرب بمدى حاجته لهذه المادة الاستراتيجية التي تأتي من العالم الثالث والتي كانت من أهم أسباب الإزدهار في الربع قرن المجيد. وأمام هذا الواقع ولأول مرة ظهر العالم الثالث موحداً في حين أن الغرب الصناعي انقسم إلى مجموعتين:

الأولى تريد الحوار مع الجنوب وتقودها فرنسا، أما الثانية فتطالب بالمواجهة الشاملة مع الجنوب وتقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

   واستمر هذا السجال إلى أن جاءت مبادرة وزير النفط السعودي الذي دعا إلى عقد مؤتمر دولي للطاقة والتنمية، على أن تتمثل فيه 4 دول عن الأوبك OPEC وثلاث عن الدول الصناعية و3 عن أكبر الدول النامية المستوردة للنفط، ولم يفوت الرئيس الفرنسي الفرصة، تمَّ عقد المؤتمر في باريس وهكذا بدأ ما عُرف بالحوار شمال جنوب. فما هي المنطلقات التي دفعت أطرافه إلى الولوج به، وهل حقق الطرفين أهدافهما، أم أن الهيمنة بقيت العامل الحاسم؟ 

ـــــــــ

1-.د. هادي حسن، حوار الشمال والجنوب وجهة نظر عربية، معهد الإنماء العربي، ط1، بيروت، 1983.

2-.أنطوان حداد، حوار الشمال والجنوب وجهة نظر عربية، مرجع سابق، ص 139. 

3-.د. حازم الببلاوي، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، عالم المعرفة، عدد 257، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 2000.

الفقرة الثانية: منطلقات الحوار

أولاً: منطلقات دول الجنوب:

   بعد فشل سياسة المساعدات في تحقيق التنمية في الجنوب ظهر تيار جديد يعتبر أن الانخراط في التجارة الدولية هو الحل الأمثل، وهذا الاتجاه ظهر جلياً في مؤتمر الـUNCTAD في جينيف 1964، حيث اتفقت الدول النامية على كلمة سر ( التجارة و ليس المساعدات )(1)

   ولكن دول الجنوب سرعان مااكتشفت أن دينامية التجارة الدولية تعمل بشكل مختل لصالح دول الشمال، فضلاً عن سيطرة الأخيرة على المؤسسات المالية والتجارية الدولية، لهذا طرحت دول الجنوب من خلال مجموعة الـ 77 فكّرة ضرورة إقامة نظام اقتصادي دولي جديد. وبالفعل صدر عن الجمعية العامة للـ UN قرارين رقم 3201 و 3202 المتعلقين بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد.

   ولكي نعرف منطلقات دول الجنوب في الحوار لابد من معرفة منطلقات هذا النظام المرجو، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام ليس جديد كلياً ,بقدر ماهو تعديل وإصلاح لعيوب النظام المهيمن، ومن هنا وجب علينا التطرق إلى أهم هذه العيوب ومن ثم منطلقات النظام الجديد والتي تعبر بشكل أو بآخرعن منطلقات الجنوب للحوار.

·        عيوب النظام المهيمن:

1.     إن الدول النامية تحصل على قدر قليل من القيمة المضافة على أسعار المواد الأولية والسلع الأساسية التي تصدرها إلى الدول الصناعية.ونجد أن عدداً كبيراً من الشركات عبر الوطنية تحتكر مجمل عمليات الإنتاج حتى التوزيع النهائي.

2.     مجمل الاتفاقيات والامتيازات القديمة تتميز بعدم الإنصاف كما يظهر بأن كل محاولة للتغيير تواجه دائماً بتدخل الدول الأم من أجل المحافظة على الأمر الواقع.

3.     إن المبادئ الليبرالية التي تنادي بها الدول الصناعية لا تمنعها من اتباع سياسة الحماية أمام تدفق بعض السلع التي تصدرها الدول النامية (المنسوجات والألبسة مثلاً).

4.     انعدام مشاركة الدول النامية في صنع القرارات الدولية التي تلتزم هذه الدول نفسها احترامها، ويظهر ذلك بالخصوص في القرارات التي يتم التوصل إليها في المؤسسات المالية الدولية، حيث أن أنظمة التصويت تعتمد على الثقل المتوازن للدول الأعضاء.

5.     ازدياد الديون الخارجية المستحقة على الدول النامية وهو ماأدى لاحقاً إلى إعلان عدد

   ـــــــــ

1-عبد الهادي يموت، الحوار شمال جنوب وجهة نظر عربية، مرجع سابق، ص 40.

من الدول عن عدم قدرتها على دفع المستحق عليها.(1)

·        منطلقات النظام الدولي الجديد:

   إن دول الجنوب باتت واعية بأن اقتصاداتها تعاني من خلل بنيوي وذلك لاعتمادها على تصدير المواد الأولية، مع العلم أنها حتى لاتملك القرار فيما يخص سعر أو كمية إنتاج هذه المواد، كما أنها لاتملك القدرة على التصنيع لافتقارها إلى التكنولوجيا المطلوبة، ناهيك عن مشاكلها النقدية ولذلك تنطلق دول الجنوب في الحوار من المنطلقات التالية:

1.    تشجيع تصنيع الدول النامية:

   ولتحقيق هذا الغرض يجب على الدول المتقدمة سواء بمعوناتها الرسمية أو من خلال المؤسسات الدولية تأمين التمويل اللازم للصناعات المتقدمة في الجنوب، كما يجب تقديم المزيد من المساعدات التقنية والتدريبية.

2.    نقل التكنولوجيا:

   تطالب دول الجنوب بإتاحة الفرصة أمامها للحصول على التكنولوجيا، وهذا ماأكدت عليه المادة 13 من ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية، حيث نصت على أن ( لكل دولة الحق في الانتفاع بخطوات العلم والتكنولوجيا ومستخدماتها لتعجيل أدائها الاقتصادي ) (2)

كما أكد الميثاق على واجب الدول الصناعية في التعاون مع دول الجنوب لتقوية مقوماتها الهيكلية والعلمية.

3.    تسهيل المبادلات التجارية:

   تطالب دول الجنوب بتسهيل دخول بضائعها الأسواق في البلدان المتقدمة عن طريق إزالة تدريجية للحواجز الجمركية وغيرها من الإجراءات الحمائية،  كما أكدت المادة 14 من الميثاق. كما تطالب دول الجنوب بالإسراع في وضع اتفاقات للسلع الأساسية (3) للتقليل من آثار تقلب وانخفاض أسعارها.

4.    إصلاح النظام النقدي الدولي:

   بحيث يتم اتخاذ التدابير اللازمة لوقف التضخم الذي تعانيه البلدان المتقدمة ومنع تسربه للبلدان النامية، وتأمين استقرار النظام النقدي الدولي خاصة لجهة أسعار الصرف لاسيما من حيث آثار تقلبها السيئة على تجارة السلع الأساسية وبالتالي على النمو في دول الجنوب،

 

 

ـــــــــ

1-.ريمون حداد، العلاقات الدولية، دار الحقيقة، ط1، بيروت 2000، ص 490

2-ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية.

3 ريمون حداد، مرجع سابق، ص 498

بالإضافة إلى ذلك لابد من إشراك البلدان النامية إشراكاً فعالاً في كل مراحل اتخاذ القرارات في المؤسسات المالية الدولية.

5.    تنظيم عمل الشركات عبر الوطنية:

   إن ظاهرة الشركات عبر الوطنية قديمة جداً منذ عهد الشركة الهولندية للهند الشرقية التي تشبه الآن IBM و SONY (1)، هذه الشركات تدير أعمالها خارج بلدانها الأم: أمريكا، أوربا، اليابان، غير أن السيطرة تبقى مركزية.

   هذه الشركات تتحكم باقتصادات الدول النامية وخاصة فيما يتعلق بالمواد الأولية من حيث إنتاجها وأسعارها، وأي محاولة سياسية لتغيير الواقع تُقابل بتدخل الدولة الأم، ولذلك طالبت دول الجنوب بوضع مدونة دولية لقواعد وسلوك الشركات عبر الوطنية  لضمان عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان المضيفة، وتأمين التوافق بين نشاط الشركات وعمليات التنمية في الدول المضيفة، وإعادة استثمار أرباحها في الدول النامية. غير أن ما حدث ويحد ث اليوم هو أن الدول النامية هي التي تركض خلف الشركات وتتنازل لها شيئاً فشيئاً عن سيادتها .

ثانياً: منطلقات دول الشمال:    

   إن محور أهداف الدول الصناعية هو الحصول على ضمانات لاستمرار تدفق موارد الطاقة، فهي تريد ضمان وفرة إمداد البترول وضمان استمرار هذا التدفق واستقرار أسعاره والمشاركة في وضع السياسة الإنتاجية والتسويقية له، وهذا ما كان حاصلاً فعلاً قبل الثورة النفطية في السبعينات، مما جعل هذه الدول مضطرة لتغيير استراتيجيتها تجاه الجنوب لتحقيق الهدف المذكور. فلولا المواد الاولية عموماً والبترول خصوصاً وانخفاض أسعاره لما تسنى لدول الشمال تحقيق هذا النمو الهائل قبل الثورة وحتى بعدها.

   بيد أن أسلوب التعبير عن هذا المنطلق اختلف بين عدة اتجاهات داخل دول الشمال، فالنيوليبراليين الذين عبرت عن رأيهم اللجنة الثلاثية التي أكدت على أنه ينبغي تعزيز العلاقات شمال جنوب(2) ولكنها في نفس الوقت رفضت اقتراحات مجموعة الـ 77 حول نظام تجاري اندماجي لايلزم الدول النامية بالمعاملة بالمثل معتبرة أن المشكلة تكمن في السياسات الميكرواقتصادية للدول النامية.

   أما مايخص الشركات عبر الوطنية فقد أولتها اللجنة أهمية لأنها أداة رئيسية لنقل الرساميل وتحقيق الاستثمارات ولذلك يجب عدم إعاقة عملها.

          

ـــــــــ

1-.  James Petras, Globolisation unmasked Imperialism in 21st century, ZED books, Canada 2002

2-ريمون حداد، مرجع سابق، ص 493.

أما وجهة النظر الأخرى فيعبر عنها الطرح الديمقراطي الاشتراكي والذي عبرت عنه لجنة برانت. هذا الطرح لايختلف كثيراً عن الأول فكلاهما يركز على آلية السوق وأن التكنولوجيا هي سلعة لايمكن تحويلها بل بيعها. واعتبرت اللجنة أن الحل هو تطبيق نظام اقتصاد السوق الاجتماعي على مستوى عالمي، غير أن الواقع أثبت أن هذا الطرح أيضاً سعى لترسيخ التبعية، فقد جاء في تقرير برانت أن الدول الصناعية بحاجة الآن إلى زيادة اهتمامها بتوسيع أسواقها في العالم النامي وإدراك ماسوف يتريتب على هذا من توفر فرص العمل خلال الثمانينات والتسعينات(1) وهي تعتقد أن حلّ مشاكل دول الجنوب يقع على عاتق حكومات الجنوب، ولكن هل تسمح الدول الصناعية وشركاتها بذلك.......؟؟؟؟

   وخلاصة القول أن الحوار بين الشمال والجنوب دار حول النقاط التالية:

1.     المواد الأولية ( النفط ): دول الجنوب تسعى إلى استغلال مواردها لتحسين مكانتها في العلاقات الاقتصادية الدولية، في حين يكمن هدف الشمال في الحصول على هذه المواد بكميات كبيرة وأسعار زهيدة.

2.     نقل التكنولوجيا: حيث تطالب دول الجنوب بتحويل التكنولوجيا بل وتكييفها أيضاً، بينما يعتبر الشمال أنها سلعة مثل أي سلعة أخرى.

3.     نشاط الشركات عبر الوطنية: تعتبر دول الجنوب أن هذه الشركات لاتكيف نشاطها مع برامجها التنموية بل وتتدخل في شؤونها الداخلية، بينما يعتبر الشمال أن هذه الشركات وسيلة لنقل الرساميل والتكنولوجيا وأنه لابد من تسهيل عملها. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــ

1.الشمال والجنوب، برنامج من أجل البقاء، تقرير لجنة برانت، ترجمة زكريا نصر، سلطان أبو علي، جلال أمين، الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، 1981.


القسم الثاني : محاولات التعاون :

تمهيد :

إذا كان التلاحم و" إثبات الوجود " هما من العوامل الأساسية التي تساعد الدول والمنظمات الإقليمية على المزيد من التحرك على صعيد السياسة الدولية. فإن التقوقع والانعزال هما من العوامل الأساسية التي تبقي الدول في كنف التشتت والتهميش العالميين .

وانطلاقاً من هذه الفكرة أتت الدعوة من وجهة نظر الدول النامية لإنشاء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارةو التنمية المعروف بالU.N.C.T.A.D في عام 1964 , كجهاز يضم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ويتبع الجمعية العامة و كرد على نادي الأغنياء الذي يدافع عن مصالح الدول الغنية من خلال الغات. (1)

وبعد محاولالت متعددة من الدول النامية ( خاصة الدول الأفريقية وأمريكة اللاتينية ) من ناحية، ونتيجة لجو المنافسة الذي ولدته الحرب الباردة من ناحية أخرى , وافقت الدول الصناعية على عقد مؤتمر التجارة والتنمبة عام 1961 الذي ساعد على طرح العديد من القضايا من وجهة نظر الدول النامية وتقديم المساعدات الفنية لها وريادة الوعي بقضايا ديونها وبشكل عام فإذا لم يكن الأونكتاد جهازاً فعالاً في مجال التجارة الدولية فإنه قد ساعد على رفع صوت الدول النامية في أهمية ربط قضايا التجارة باحتياجات التنمية , وكان مصدراًَ مهماً للمعلومات والخبرة الفنية فضلااً عن كونه منبراً لرفع صوت الدول النامية (2) وكرد فعل لمطالب الجنوب في مواجهة الشمال(3) وبالرغم من أن المؤتمر ظل يعقد دورة كل أربع سنوات من تاريخ انعقاده الأول في جينيف 1964 فقد كانت نتائج المؤتمر من قبيل التوصيات ولم تأخذ شكل التزامات  للدول الأعضاء فيه , وما لبثت هذه التوصيات أن تعثرت أيضاً في التنفيذ العملي .

إلا أنه ورغم كل ذلك تبقى أعمال هذا المؤتمر بمثابة مولد وحدة الدول النامية .

أما دول الشمال ورغم أنها لم تتجاوب بشكل جدي مع هذه المنظمة باستثناء النظام العام للأفضليات ضمن الجات , فإنها عملت على أن تكون محاولات التعاون مع الجنوب خارج إطار الأمم المتحدة . وأهم هذه المحاولات كانت الحوار العربي الأوروبي واتفاقية لومي اللتان سنأتى على  ذكرهما بشيء من التفصيل .

 

ــــــــــ

1-      حازم الببلاوي , النظام الاقتصادي الدولي , عالم المعرة , عدد 257 2000 .ص70 .

2-      ن س ص 70 .

3-      زينب عوض الله . العلاقات الاقتصادية الدولية , مرجع سابق ص 228 .

 

 

 

 

 

الفقرة الأولى : الحوار العربي الأوروبي

انطلاقا من جملته المشهورة حول " ضرورة اتجاه أوروبا لعالم الغد بالتحالف مع العرب لانها بذلك تحقق بناء قوة عالمية سوف تؤمن التوازن للعالم "(1)  , بدأت المجموعة الأوروبية بفتح قنوات الحوار بينها وبين الجامعة العربية , ربما أخذاً بنصيحة شارل ديغول   ......!! أو ربما إذعاناً للضغوطات النفطية التي استخدمها العرب مجتمعين آنذاك .....!! أو ربما عزفا على الوتر الإنساني لمساعدة الدول العربية على ما كانت تعاني منه من مآسي في تلك المرحلة ......!! , أو ربما  ل ....او ...............................!!؟

المهم أنه كان هناك انطلاقة بداية للحوار العربي الأوروبي .

ففي أعقاب حرب تشرين 1973 برزت فكرة الحوار العربي الأوروبي وطرحت في ميدان السياسة الدولية (2) حيث كان الحوار يدور على المستوى الجماعي بين منظمتين دوليتين, هما الجماعة الاقتصادية الأوروبية بدولها التسع , وجامعة الدول العربية بدولها العشرين (3) إلا أن افتتاح الحوار رسمياً على المستوى الفني لم يتم إلا يوم 10 من حزيران 1975 (4) عندما عقد أول لقاء بين المنظمتين في القاهرة لبحث أمور التعاون بينهما*, حيث برز دور الدبلوماسية متعددة الأطراف بإدارة هكذا نوع من الحوارات  بين منظمتين تنتمي الأولى منهما وهي المجموعة الأوروبية إلى دول الشمال وتنتمي الثانية وهي الدول العربية إلى الجنوب, بهدف تنظيم وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والإجتماعي (5), وفي هذه النبذة سنلقي الضوء على الدوافع التي حتمت على المنظمتين الذهاب إلى طاولة الحوار. ومن ثم سنأتي بشيء من التفصيل حول أسباب فشل هذا الحوار والعقبات التي وقفت في وجه تطوره .

أولاً : دوافع الأطراف :

بداية يمكن طرح تساءل ....‍؟‍‍! حول انبثاق فكرة الحوار بين المنظمتين بعد حرب تشرين 1973 . أو بصيغة أخرى ما الذي قدمته الحرب لهذه الفكرة ........!؟ , لقد كانت هذه الحرب نقطة تحول مفصلية في محتوى علاقات الدول العربية بالعالم وكاننت واحدة من أهم نتائج الحرب هي:

الجسور التي أقيمت بين العرب والبلدان الأفريقية من خلال الحوار العربي الأفريقي, وتلك

ــــــــــ

1-أحمد الدجاني , الحوار العربي الأوروبي الفكر والمسار والمستقبل , 1993 .ص20 .

2- ن س ص 21 .

3-عبد المنعم السعيد , الحوار العربي الأوروبي , مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية 1977 , ص48 .

5-ريمون حداد . مرجع سابف ص504

الحوار العربي الأوروبي ظهر إلأى الوجود منذ إجتماعات كوبن عاغن في منتصف ديسمبر 1973 , وأعلن وزير الخارجية الفرنسي ميشال جوبيار في 10 ديسمبر 1973 أن الحوار بين العرب وأوروبا هو أحد الآمال والاهتمامات لكلا الجانبين.

 

التي بين العرب والجماعة الأوروبية من خلال الحوار العربي الأوروبي و بينه وبين معظم العالم من خلال الحوار شمال جنوب .

إن آثار حرب أكتوبر ـ في التأثير على حتمية انطلاق الحوار بين المنظمتين كانت واضحة  من خلال استخدام الدول العربية المنتجة للنفط لسلاح البترول بوسائل مختلفة مثل المقاطعة وخفض الإنتاج ورفع الأسعار .(1)

وقدد كانت أسباب استخدام هذا السلاح تعزى لسببين هما :

 

1-    ذو طبيعة سياسية

حيث أن حالة اللاسلم واللاحرب التي سادت في الشرق الأوسط خاصة بعد أن توقفت حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية في اغسطس 1970 والتي وضعت بدورها ضغوطاً على الحكومات العربية باستخدام كافة الأسلحة المتاحة لديها بما فيها ( سلاح النفط ) (2)

2-    ذو طبيعة اقتصادية :

فمن المعروف بين الباحثين في مجال الطاقة البترولية أنه خلال فترة ما بين 1950 ,1973 فإن أسعار البترول العالمية كانت مقّومة بأقل من سعرها الحقيقي بحوالي 50% وكما ذكر الرئيسس الجزائري بو مدين " أنه لأكثر من عشرين عاماً فإن الدول المصدرة للبترول قد مّولت التنمية الصناعية الغربية "(3)

ونتيجة لهذين العاملين و خلال ربيع وصيف 1973 فإن الدول العربية لوحت باستخدام سلاح البترول وعلى أثر ذلك , صرح وزير البترول السعودي أحمد زكي اليماني في الولايات المتحدة في نيسان 1973 بأن حكومته لن تسمح لشركة أرامكو بتحقيق برامج التوسع التي تصبو اليها حتى تتخلى الولايات المتحدة عن سياستها المواليه للموقف الإسرائيلي  .

وبسبب إعلان الرئيس نيكسون عن مد إسرائيل بمعونة مالية و عسكرية بقيمة 2,2 بليون دولار , فإن لجنة الخليج عقدت إجتماعاً في الكويت في 16 ت2 وقررت رفع الأسعار بنسبة 70% بطريقة جماعية , وفي اليوم التالي اجتمع وزراء النفط للدول المصدرة للنفط في الكويت واتفقوا على خفض الإنتاج فورياً بمقدار 50% عن انتاج شهر سبتمبر , وتضمن البيان النهائي أن نفس النسبة سوف تطبق على كل شهر مقارناً بالشهر السابق , حتى يتم انسحاب إسرائيل من كل الأراضي العربية المحتلة في حزيران 1967 و حتى استرداد

 

ـــــــــ

1-عبد المنعم سعيد م س ص66 .

2- ن س ص 67 .

3-ن س 67 .

 

 

الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .(1)

 وبانتهاء مهمة كيسينجر في إجراء الفصل بين القوات على الجبهتين المصرية والسورية , فإن المقاطعة العربية وإجراءات خفض الإنتاج توقفت تماماً , ولكن بقيت مسألة هامة نجمت عن استخدام سلاح البترول وهي ماسميت بالثورة في أسعار البترول العالمية والتي جعلت سعر البرميل يصل مع بداية 1975 إلأى 11,25 دولار مقارنة ب2,1 دولار عشية حرب تشرين .

وهذا ما حذى بإحدى الباحثات الأوروبيات (ماري هانكس ) بالقول بأن " عصر الطاقة الرخيصة الذي قامت عليه الاقتصاديات الصناعية الغربية قد أتى فجأة إلى نهايته  " (2)

هكذا بدت الإمكانيات العربية في حسابات السياسة الأوروبية جذابة ومغرية في المشاركة في عملة التنمية وخاصة مع تزاوج الإمكانيات الغربية مع رؤوس الأموال العربية .

لقد كان الحوار مع العالم العربي هو الطريقة الأكثر منطقية لتلافي آثار المقاطعة البترولية , فقد بات معروفاً أن النمو الهائل في ثروة البلدان العربية المصدرة للبترول سوف يقود هذه البلدان إلى استخدام فوائضها في الاستثمار واستيراد السلع والبضائع والخدمات والتكنولوجيا في البدان الغربية . وهكذا فإن دول الجماعة الأوروبية تستطيع أن تعيد دورة رؤوس الأموال مرة أخرى والتي دفعتها لقاء فوتير البترول المستورد بالتعاون مع العالم العربي , لذلك أرادت أوروبا الاستفادة من شراكة طويلة الأمد بين الرأسمال البترولي العربي والتكنولوجيا الغربية بالإضافة الى الاستفادة من المميزات الاقتصادية للعالم العربي .

أما بالنسبة للدول العربية فهم يتتطلعون إلى مزيد من العناية والإهتمام بمواقفهم, وبحسب وجهة النظر العربية فإن أوروبا الغربية جديرة باتخاذ موقف واضح ومنصف إزاء قضايا العرب العادلة تثبيتاً لاستقلال ارادتها وأداء دورها كاملاً في الشؤون الدولية بحكم كونها تتصل بالدول العربية عبر البحر المتوسط بصلات تجارية  متينة ومصالح حيوية متداخلة لا يمكن أن تنمو إلا في إطار تسوده الثقة والمصالح المتبادلة .

ويتم ذلك بللاتزام بالعمل بجميع الوسائل على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة , وفي مقدمتها القدس واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة , والسعي لكي تقوم بالضغط على الولايات المتحدة لكي تكف عن مساعدة إسرائيل .

 

ـــــــــ

1- عبد المنعم سعيد , مرجع سابق . ص68

2- نفس المرج , ص82 .

 

ثانياً فشل استمرار الحوار .

كان واضحاً قبل بدء دورة الحوار الأولى في القاهرة في حزيران 1975 بأن هناك عقبات أساسية تقف في طريق الحوار أد ت بدورها إلى فشل استمراره , ويمكن تصنيف هذه العقبات إلى

1- داخلية : تتعلق بالهيكل التنظيمي الذاتي لكلا الجماعتين .

2-خارجية : تتعلق بالأوضاع الإقليمية والظروف السياسية الدولية آنذاك والتي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على مجريات الحوار .

بالنسبة للطرف العربى , على المستوى التنظيمي العربي فإن البداية الطموحة للحوار لم تكن تعكس الرغبة في التعاون الشامل في كل المجالات بقدر ما كانت تعكس عدم معرفة العالم العربي بالأولويات التي يتطلبها والاحتياجات والأسبقيات اللازمة له في عملية التنمية. ومن ثم فقد طرح الحديث في كل شيء , حيث أن المشاريع طرحت في كل اتجاه وبعد ذلك تواضعت النيات على هذه المشروعات التي قد تكون ممكنة , حتى تلك التي ما لبثت أن لاقت صعوبات التمويل مما شكل تحدياً حقيقياً لها. (1) بل أكثر من  ذلك لم يكن تمويل التنفيذ هو المشكلة فقط بل كذلك الدراسات التمهيدية لها .*

أما على المستوى السياسي , فالنزاعات المشتعلة في المنطقة العربية متعددة , الحرب اللبنانية وحرب الخليج الأولى كانت خير دليل على ذلك. (2) هذا ناهيك عن وجود انظمة سياسية متردية ومتخلفة لا تعبر عن غايات ومصالح  شعوبها .

أما على المستوى الاقتصادي, فالطرف العربى ليس محدد لأولياته وحتى قرارات تمويل المشروعات لا توجد في الدول العربية مجتمعة ولكنها توجد في يد الدول البترولية وهذه الأخيرة لا توجد لديها حاجة ملحة لإنجاز تلك المشروعات, ويضاف إلى كل ذلك عدم استطاعة الطرف العربي مواكبة التطور التقدم التكنولوجي الغربي. فالحديث عن الوحدة العربية الاقتصادية العربية شيء , والعمل الفعلي والإيمان بضرورة التكامل الاقتصادي العربي شيء آخر .

بالنسبة للطرف الأوروبي, على المستوى التنظيمي هناك عامل ذاتي يرتبط بتركيب الجماعة ذاتها, حول مدى اتفاق واختلاف الدول الأعضاء حول مسألة الشرق الأوسط. صحيح أن الجماعة الأوروبية قد قطعت شوطاً كبيراً في مجال الاتفاق على ناحية اقتصادية موحدة لكل

 

ـــــــــ

1-  عبد المنعم سعيد . مرجع سابق ص 139 .

* وذلك يبو واضحا ً فيما يتعلق بالمشروعات الزراعية التي تعتبر أكبر إنجازات الحوار في تلك المرحلة .

2- ريمون حداد , مرجع سابق ص505 .

 

دول الجماعة , لكنها في الآن نفسه لا تزال في البدايات الأولى للتعاون السياسي حيث أن صنع سياسة خارجية مشتركة بين دول المجموعة هو أكثر صعوبة من التعاون اقتصادي بينهما .

على المستوى السياسي , نجد أن المنهجية السياسية للجماعة الأوروبية في طريقة التحاور مع الدول العربية ظلت متلائمة مع ( السياسات المتوازنة ) للجماعة في الشرق الأوسط . ومفادها

( بأنها توازن بين اعتبارات العلاقة العربية الأوروبية وتلك الأوروبية الإسرائيلية ) (1) وبينها وبين الولايات المتحدة من طرف آخر خاصة في ظل أجواء الحرب الباردة .

وبناءاً عليه فإن النهج الأوروبي إزاء المسائل السياسية الخاصة بأزمة الشرق الأوسط لا يبحث عن الوضع الأكثر عدالة في المنطقة حيث يبقى دورها مرتبط بالظروف والأوضاع السياسية العالمية والتوازن الدولي من جهة , وقدرات المجموعة نفسها سياسياً وعسكرياً من جهة أخرى .(2)

بالنسبة للظروف الإقليمية والدولية :

أ- فبدلاً من التعاون بين منظمتين إقليميتين مستقلتين للسعي نحو تحقيق الأهداف والغايات المشتركة , فقد تم التغاضي عن هذا المبدأ واتجهت العلاقة بين المنظمتين إلى علاقات ثنائية بين الدول الأعضاء في كلا الجماعتين , أي أن العلاقات على المستوى الثنائي ساهمت كثيراً في تقليص حماس الدول المشتركة في الحوار إلى حد أدنى , حيث أن بعض الدول شعرت أنها إذا كانت تحقق أهدافها على المستوى الثنائي فما جدوى الحديث عنه على المستوى الجماعي .والتساؤل الذي يطرح نفسه لماذا يجب على الدول العربية أن تتعاقد بصورة إفرادية مع كتلة اقتصادية واحدة هي المجموعةالأوروبية ...!! 

ومما لا شك فيه , بأن وضع سياسة عربية موحدة تجاه المجموعة المذكورة أو أي كتلة اقتصادية أخرى أصبحت ضرورة حتمية لا مفر منها .

ب- المشكلة الفلسطينية .

إن النهج العربي إزاء الحوار هو ذو طبيعة سياسية وأن حجر الزاوية في هذا النهج هو القضية الفلسطينية (3) ونتيجة لذلك منذ بداية الحوار أصر على أن يكون الناتج الإجمالي للتفاوض وحسب نظرية المباراة هو صفر تجاه القضية الفلسطينية , نتيجة لذلك فإن هذه القضية ظلت تمثل أحد ميادين الخلاف بين طرفي الحوار مما أدى إلى تعثره .

 ومن جهة أخرى فإن علاقة الجماعة الأوروبية بإسرائيل كانت تقف عائقاً آخر أمام استمرار

ـــــــــ

1- عبد المنعم سعيد , مرجع سابق ص133 .

2-عبد المنعم زمابيلي , الحوار العربي الأوروبي , منشورات وزارة الثقافة , دمشق 1992 .

3-عبد المنعم سعيد ص89 .

الحوار , حيث كان هناك اتفاقيات تعاون تجارية بين الجماعة الأوروبية وإسرائيل تقضي بإنشاء مناطق تجارة حرة بين الطرفين . والتي كانت تمثل مدخلاً للتعاون الاقتصادي الذي يمتد بدوره إلى ميدان التجارة مع إمكانية التوسع لكي تشمل مجالات جديدة . نتيجة لذلك فإن الجانب العربي أصيب بخيبة أمل نتيجة هذه الاتفاقيات , وفي الحال أعلنت جامعة الدول العربية أن العرب يرون أن الاتفاق التجاري مع اسرائيل يعتبر بمثابة تشجيع معنوي ودعم اقتصادي لدولة معتدية (1) .

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين المجموعة الأوروبية والكيان الصهيوني تعتمد على مبدأ التكامل المتكافئ وعلى القيام بعمليات مشتركة في ميدان البحث العلمي والتقني المتطورة وذلك على نقيض الاقتصاد العربي المتخلف الذي يعتمد على المنتجات الإستخراجية والزراعية والمواد الأولية , كما يعني ذلك أن  الكيان الصهيوني توصل في اتفاقاته مع المجموعة الأوروبية إلى فرض نفسه وإثبات وجوده بينما لم تتوصل دول الجامعة العربية إلا إلى اتفاقيات عادية وبصورة منفردة .

ولكن هذا لا يعني بأن الجامعة العربية غير صالحة لتحقيق أهداف الحوار إلا أن  فعاليتها محدودة بسبب تقوقع الدول العربية وتمسكها بسيادتها القومية ولذلك فأن عدم تنفيذ الاتفاقات العربية نفسها يعتبر من الأسباب الرئيسية التي أد ت إلى تعثر الحوار .(2)

 

 

ج- الطرف الأمريكي .

وهو وإن كان بعيداً عن الحوار فهو طرف أصيل فيه , فالقدرة الأوروبية مرهونة بالتحرك على المستوى السياسي خاصة عندما يصبح هناك اعتقاد عام بأن الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على إدارة الصراع في الشرق الأوسط . فالمحور الاسرائيلي والأمركي كانا يضعان حدوداً على حركة الجماعة الأوروبية ,

 

كل هذه العوامل ألقت بظلالها على الحوار وحدت من نتائجه , ولكن خطوة الحوار تظل خطوة متقدمة وإن فشلت في عالم متنابذ المصلح والغايات .

 

  

 

 

ــــــــــ

1- عبد المنعم سعيد , م س ص93 .

2- عبد المنعم زنابيلي , مم س . ص30 .  

 

الفقرة الثانية  : اتفاقية لومي.

    إن الفكرة الأساسية التي كانت تقوم عليها التجارة الامبريالية ( في عهد الاستعمار ) تتلخص بالآتي : الانتاج المحلي أولاً ,انتاج المستعمرات ثانياً , الدول الثالثة ثالثاً (1) . وهذا ما عملت على تطبيقه دول المجموعة الأوروبية مع عدد من دول أفريقيا والكاريبي والباسيفيك الACP , وتسمح هذه الاتفاقية لدول الACPبتصدير منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية دون أي قيود كمية ( كوتا), ودون شرط المعاملة بالمثل. (2) وهذا ما نصت عليه ا لمادة (1)3 و   (1)9 من الاتفاقية بيد أن لهذه الاتفاقية شروطاً فيما يخص دخول صادرات دول الACP إلى دول المجموعة  والتي من شأنها أن تطرح علامات استفهام كثيرة حول جدوى هذه الالتفاقية , و أهم هذه الشروط هي :

1-سياسة الدعم الزراعي CAP :

هذه السياسة هي أكثر السياسات المثيرة للخلافات في العلاقات التجارية الدولية , وهي تقوم على دعم أسعار المنتجات الزراعية المحلية وفرض تعريفات جمركية مرتفعة على السلع الأجنبية المنافسة بما في ذلك صادرات الACP وقد ورد هذا الإستثناء في المادة (2)2 من الاتفاقية .

2- الواجبات الداخلية :

تقضي المادة 6 من الاتفاقية بأن صادرات دول الACP لا تتمتع بأي معاملة تفضيلية مقارنة مع أي سلعة آتية من إحدى دول المجموعة الأوروبية .

3- مقتضيات السلامة العامة :

بحيث قضت المادة (1)5 بأن لا مانع من عدم الالتزام بالمادة 3 في حال كانت هذه الإجراءات مبررة بداع السلامة العامة .

بالرغم من هذه الشروط فإن الأتفاقية لم تخلو من بعض الإيجابيات, أهمها نظام ستايبكس , هذا النظام الذي جاء ليرد على مشكلة التجارة في السلع الأساسية بالنسبة لدول الACP . وتظهر هذه المشكلة من خلال ما يلي :

أولاً : عدم الاستقرار في أسعار السلع الأساسية والذي يتحول

الى انخفاض في عائدات الدول المصدرة .

 

 

ـــــــــ

1- I.K Minta , the Lome convention & the new economic order .Haoward University . whashengton 1983     p954

2- ريمون حداد , م س ص503 .

 

 

 

ثانياً : نتيجة للوضع السابق تضطر الدول المصدرة للدخول في تبادل لا متكافئ بين السلع الأساسية المصدرة من الدول النامية والسلع المصنعة الآتية من دول المتقدمة .(1)

ولهذا هدف نظام ستايبكس إلى المحفاظة علىعائدات دول الACP من خلال المساعدات المالية  , وبهذا يكون قد تم تجنب المساس بآلية السوق في تحديد أسعار السلع . وفيما بعد أضيف نظام سيسمين  المتعلق بالمعادن .

وكما أن آلية دخول صادرات الACP إلى دول المجموعة مشروطة , فكذلك نظام ستايبكس لم يخلو من الشروط المجحفة بحق الأولى . وتتلخص هذه الشروط بالآتي :

 

1- مدى التغطية :

 حيث تم التفاق في لومي 1 على قائمة ب26سلعة يطبق عليها ستايبكس , ثم تم زيادتها في لومي 2 إلى 44 سلعة , علماً أن هذه السلع في غالبيتها سلع زراعية .

 

2- درجة الإعتماد :

تقضي المادة 29 بأن أي دولة من الACP لكي تطلب تطبيق ستايبكس لا بد من أن تكون نسبة عائداتها من السلعة التي حصل العجز بسببها تعادل %6.5 من دخلها الجمالي . وهذا المعيار يحدد وفقاً لمعدل الدخل من هذه السلعة في الأربع سنوات السابقة لسنة التطبيق .

للوهلة الأولى يبدو أن هذا الشرط قابل للتحقيق بسهولة نظراً لشدة اعتماد الدول انامية على صادراتها من المواد الأولية . بيد أن الواقع أثبت عكس ذلك , فدولة مثل غانا لم تتمكن من تعويض خسارتها في قطاع الخشب لأن درجة اعتمادها هبطت في السنة الماضية إلى %5 .

3- لا يتم الاستجابة لطلب التمويل في حال قدم الأخير بعد 31 \ 3 من السنة التي تلي سنة العجز .

4-إذا تبين أن الدولة المعنية حققت عائدات مرتفعة من بيع نفس السلعة لدولة ثالثة أي من خارج المجموعة .

إن ما يمكن استخلاصه من هذه الأتفاقية , هو أنها لم تكن سوى مسكن لأمراض دول ACP المزمنة , فتقديم المساعدات مالية لن يؤديإلأى زيادة القوة الشرائية للدول النامية و ذلك لأن أسعار ممنتجاتها لم تتغير . هذا هو الهدف الأساسي الذي تسعى إليه دول المجموعة وإلا ما الذي يدفعها لتقديم تلك المساعدات لولا أن الفوائد التي ستعود عليها ستكون أكبر بكثير . أما دول الACP فهي ترى ن هذه الأتفاقية تضمن لها على الأقل تصدير موادها الأولية .

ـــــــــ

1- I.K Minta  مرجع سابق ص 963

الفصل الثاني

أبعاد فشل التعاون والحلول المقترحة

القسم الأول :أبعاد فشل التعاون :

كما  أن الحوار شمال جنوب  بدأ بشكل تدريجي فإن نهايته أيضاً قد كانت كذلك , حيث عملت دول الشمال دوماً على المماطلة والتسويف في المؤتمرات , ثم ومنذ أوائل الثمانينات بدأت بتقليل حضورها لمؤتمرات الحوار , حيث كان مؤتمر كانكون في المكسيك النهاية الفعلية للحوار.

إن النتيجة التي يكمن استخلاصها مع نهاية ما سمي بالحوار هي أن الوضع لم يبقى كما هو عليه بل ازداد سوءاً فدول الشمال زادت تقدماً و دول الجنوب ازدادت تخلفاً , ولعل أبرز أبعاد  فشل الحوار هي  أولاً انفجار أزمة المديونية في الثمانينات والتي وبغض النظر عن أسبابها فقد كانت خير وسيلة لتدعيم تبعية دول الجنوب لدول الشمال(1).

أما البعد الثاني فهو انفلات اللعولمة النيوليبرالية القائمة على تأليه آلية السوق و الحجر على دور الدولة في تنظيم الاقتصاد. وسنتحدث في هذا القسم عن كل منهما على حدة لنحاول ابراز اشكالية بحثنا في العلاقة بين فشل التعاون شمال جنوب والعولمة النيوليبرالية وهل أن أحدها كان يجب أن يحل محل الآخر.

الفقرة الأولى :انفجار أزمة المديونية :

من أغرب الأزمات الإقتصادية التي ألمت بهذه المجموعة الكبيرة من دول العالم في وقت واحد , هي أزمة الديون الخارجية التي ضربت بلدان العالم النامي منذ مطلع الثمانينات ولا تزال تشكل عائقاً رئيسياً أمام مسيرة التنمية في هذه الدول بسبب امتصاصها للانتاج القومي لهذه البلدان خدمة للديون, وما جرته هذه الأزمة من تدخلات للقوى المالية الدولية في السياسات الإقتصادية للعالم الثالث .

إن لجوء الدول النامية للإستدانة ارتبط بأسباب مختلفة منها : الرد على حاجة البنية التحتية ، تمويل الدفاع الوطني ، أو لأسباب ناتجة عن السياسات المالية والاقتصادية (2) المتعثرة التي انتهجتها  انظمة الحكم فيها . وهذه المشكلة كانت محصلة عاملين أساسيين ,

 الأول يعود  إلى أن أزمة الطاقة فرضت أعباء ضخمة على تكاليف الواردات في الدول

ـــــــ

1-www.deptchannel.org/guide .

*-ريمون حداد . العلاقات الدولية مرجع سابف ص514 .

النامية وارتفاع في الأسعار واختلال في موازين المدفوعات مما أدى إلى ارتفاع مديونية هذه الدول إلى أرقام فلكية فارتفعت مديونية العالم الثالث من أقل من 70مليار دولار عام 1970 إلى حوالي 480 مليار دولار عام 1980 (1). ووصل خلال 1996 وحدها إلى 195 مليار $ بيد أن المستفيد من هذه الأزمة كانت الدول النفطية والتي حققت ،وكما ذكر سابقا،ً فوائض عالية جداً. وقد قدر حجم الأصول المالية المملوكة للدول النفطية ،وتحديداً دول الخليج،  ب350 مليار دولار. الا أن الأمر الذي أدى إلى أزمة أخرى تتمثل بوفرة الدولار وعدم قدرة الدول الصناعية على استثمار هذه الأموال مما دفع المصارف العالمية إلى تحويل هذه الأموال باتجاه الجنوب على شكل قروض ميسّرة في بادىء الأمر.                               

أما العامل الآخر الذي ساعد على اندلاع الأزمة، فهو انهيار النظام النقدي الذي أرست قواعده بريتون وودز, وما أدت إليه من موجات التضخم التي صدرتها دول الشمال إلى دول الجنوب. هذه الأخيرة، قد عجزت عن استيعاب هذا التضخم الهائل ولم تستطع في نفس الوقت أن توقفه وهذه يرجع إلى طبيعة العلاقات الاقتصادية الغير متكافئة وحالة التبعية  بين الشمال والجنوب. وبسبب عدم التكافؤ بين أسعار صادرات الجنوب ووارداته، لجأت دول العالم النامي إلى الإفراط في الاستدانة دون وجود أي عوائق، وهنا تكمن مسؤولية المجتمع الدولي الذي تعامل مع الأمر بطريقة لامبالية و برغماتية من دون أن تفرض أي عقوبات أو تعويضات على الدول المدينة الممتنعة عن الدفع .

ولم تقف المشكلة عند هذا الحد بل نتجت عنها مشكلة أشد خطراً وهي خدمة الديون (أي فوائد الديون ) والتي باتت تجبر الدول المدينة على الاستدانة مجددأ ولكن ليس لأغراض التنمية بل لتسديد خدمة ديونها لطمأنة دائنيها........!!! ويكفي الإشارة هنا إلى أن الدول المدينة تدفع الآن 9 أضعاف قيمة الديون المستحقة عليها أصلاً .(2)

هذا ويتبادل كلاً من الشمال والجنوب إلقاء المسؤلية على عاتق الآخر , وهنا برز أتجاهين : الأول تدعمه دول الشمال وهو يحاول إلقاء مسؤولية تفاقم المشكلة على كاهل الدول النامية, بسبب الاستخدام غير الرشيد للموارد الأجنبية و سوء الإدارة وضعف مستوى الأداء الإقتصادي. كما أنهم ينطلقون من فكرة القدرة الاستيعابية لاقتصاديات هذه البلدان , حيث أن قدرة هذه البلدان على استيعاب زيادة كبيرة في الموارد الأجبية هي محدودة (3) , السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو: ألم تكن دول الشمال تعلم هذه الحقيقة ؟! فلماذا إذا ساهمت في تسهيل تقديم هذه الديون من خلال تقديم ضمانات بالتسديد للمصارف المقرضة .

ـــــــــ

*-حازم الببلاوي . النظام الاقتصادي الدولي المعاصر .عالم المعرفة 257 . الكويت 200 .

*-www.deptchannel.org/guide .

*- رمزي زكي . أزمة المديونية الخارجية . الهيئة المصرية للكتاب  القاهرة 1978 .ص 408

أما الاتجاه الثاني، والذي يعبر عن رأي دول الجنوب , فهو ينطلق من أن دول الشمال لم تقم بواجبها في تقديم المساعدات لدول الجنوب, بل إن المساعدات الحكومية المالية انخفضت سنة بعد سنة, حتى أن ما قدم من مساعدات كان يقدم وفقاًَ لاعتبارات سياسية، أي أن القروض كانت تقدم من دول الشمال للدول النامية التي ترتبط معها بعلاقات خاصة .

ولم يكن من المفاجئ أن تشتعل الأزمة عندما أعلنت المكسيك عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها, وهنا أوكلت إلى صندوق النقد الدولي مهمة جديدة هي تمكين الدول المدينة من تسديد ديونها من خلال برنامج بسيط وعام مطلوب للتنفيذ عالمياً مهما اختلفت الظروف الخاصة ببلد ما (1) وهو ما يسمى "سياسة التثبيت والتصحيح الهيكلي" (والتي سنتحدث عنها لاحقاً لأنها أحد أهم أدوات العولمة الإقتصادية ). وقد بدأ الصندوق والبنك الدوليان حملتهما ضد المديونية بمنح الدول المدينة قروض جديدة من أجل دفع ديونها غير أن الشروط كانت هذه المرة أشد قسوة تجاه الممتنعين عن الدفع, و كانت نتيجة انصياع الدول المدينة للصندوق أن مجموع ما أنفقته هذه الدول المدينة الأكثر فقراً على خدمة ديونها تجاوز بكثير ما أنفقته على الصحة والتغذية والتعليم,(2) ومع ذلك لم تسدد الديون بعد .

و في هذا السياق،تم طرح العديد من المبادرات لحل أزمة المديونية: فمن خطة برادي إلى مبادرة الHIPC (التي طرحها الصندوق والبنك الدوليان) والتي لأول مرة ذكرت إمكانية إلغاء الديون لبعض الدول الأشد فقرأ. غير أن هذه المحاولات الصادرة عن المؤسسات الدولية متعددة الأطراف ـ والتي كما سبق الإشارة تتبع سياسات موازية للفكر الاقتصادي السائد في الدول الكبرى ـ لم تكن سوى إدارة للأزمة وليس حلاً لها. فالمشكلة ليست فقط في السياسات الميكرو-اقتصادية لدول الجنوب بل ثمة نظام اقتصادي و سياسي دولي يعاني من الخلل وعدم التكافؤ  في موازين القوى . كما أن دول الشمال سعت دوماً لستغلال هذه الأزمة وإلا ما الذي يفسر تزايد الدون الرسمية وقلة الديون الآتية من السوق التقدي الدولي الخاص , ألا يؤدي هذا إلى إحكام سيطرة دول الشمال الدائنة على الدول المدينة .غير أن الصورة ليست قاتمة لهذا الحد وما يدعو إلى التفاؤل هو الوعي لدى شعوب العالم ليس فقط بخطورة هذه الأزمة بل بخطورة المؤسسات الدولية متعددة الأطراف أيضاً, حيث تدعو الكثير من المنظمات الدولية غير الحكومية إلى القضاء على هذه المؤسسات وخاصة صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية باعتبارها أساس مآسي العالم الثالث. و قد قدمت منظمة "جوبيلي  2000" ــــــــــ

1-  سمير أمين . في مواجهة أزمة عصرنا . الانتشار العربي بيروت 1997 . ص37

2-Thomas .c.Louton . James.n.rosenau  strange power shapping the parameters > international relations & international political economy . Ashgote USA

.

 

JUBILEE 2000 الاقتراحات التالية :

 

1-إلغاء نهائي للديون وليس فقط تخفيض أو جدولة خدمة الديون .

    2- إزالة كل الشروط القاسية المرافقة لبرامج التكييف الهيكلي التي تشرف عليها المؤسسات المالية الدولية .

3-    الإعتراف المتبادل بالمسؤلية من قبل الدول الدائنة والمدينة , والعمل سوياً لإعادة الثروات التي نهبتها الأنظمة الفاسدة . (1)

ولعل المفارقة الكبرى تكمن فيما يطرحه البنك الدولي اليوم لحل الأزمة , إذ اقترح مؤخراً السماح للاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI بالدخول إلى الدول المدينة بمعدل أعلى من المعدل الحالي , حيث يعتبر خبراء البنك أن هذا هو الحل الأمثل لتحريك العجلة الاقتصادية لتلك الدول , ولمدها برؤوس الأموال اللازمة بدلاً من تقديم المزيد من الديون .(2)

1- www.jubilee.org

2- www.worldban.org

الفقرة الثانية: انفلات العولمة النيوليبرالية.

مصطلح العولمة شاع كثيراً في التسعينات من القرن الماضي إلى درجة تحميله مضامين تشمل الكرة الأرضية(1). والعولمة هي ،في الواقع، ظاهرة متعددة الجوانب: أقتصادية , سياسية، ثقافية ,و اجتماعية, إلا أن ما يهمنا هو الجانب الاقتصادي والسياسي .

إن العولمة التي نعيشها اليوم هي مفهوم جديد لواقع قديم. فالعولمة الاقتصادية تعود إلى قرون عديدة خلت عندما بدأت القوى الأوروبية بنشر نفوذها خارج القارة, و في القرن ال19 كان هناك مساحة اقتصادية عالمية قيد التشكل حيث نسجت الدول الأوروبية على مستوى المعمورة شبكات خاصة بها (2). ولكن هذا المسار الزاحف تعرض لفترة من الجمود بين عامي 1929 ( الأزمة الاقتصادية الكبرى) و1945 ( انتهاء الحرب الكونية الثانية ) حيث راجت السياسات الحمائية بشكل هستيري , اضافة إلى انبعاث الحركات القومية.

إلا أن الحياة عادت لهذا المسار مجدداً بعد عام 1945 ليتحرك ولكن وحسب سمير أمين بشكل مضبط , وتمثلت عوامل الضبط بما يلي :

-       نظام اقتصاد السوق الاجتماعي ( الطرح الكينزي) .

-       النظام السوفياتي .

-       حركة باندونغ .

 

والسمة المشتركة لهذه الاتجاهات الثلاث هي العمل على توجييه آلية السوق وعدم تركها للأيدي الخفية التي تحدث عنها آدم سميث في القرن الماضيِ.

ومنذ أواخر الستينات بدأ هذا المسار بالتقاط أنفاسه لينطلق بسرعة قصوى نحو الماضيِ ولكن بشكل يلائم الحاضر, وهذه الحركة السريعة يكمن إعادتها إلى عاملين أساسيين ومترابطين الأول اقتصادي والآخر سياسي .

أولاً العامل الاقتصادي :

  إن  المهتمين بالعولمة يعتبرون أن الاقتصاد هو المحرك الأساسي لهذه الظاهرة , ولكي نتعرف على كيفية عمل هذا المحرك لا بد من التطرق للمحاور التالية :

1- ريمون حداد , م س ص518 .

2-غسان العزي , سياسة القوة , مركز الدراسات الاستراتيجية للبحوث والتوثسف , ط1 بيروت 2000 ص120

1-الثورة التقنية  

 شهد العالم في نهاية القرن ال20 ثورة شاملة في تطور سبل المعلومات والاتصالات من

شأنها التأثير في العلاقات الدولية على كافة المستويات , (1) ويعتبر المراقبون أننا تجاوزنا عصر الزراعة والصناعة إلى عصر تسيطر فيه العوامل المعرفية على مفاصل الحياة الأقتصادية اليومية.

وهذه الثورة التقنية لها انعكاسات مباشرة وخطيرة على ميادين أساسية في العلاقات الاقتصادية الدولية من أهمها: مجال الاتصالات الذي انعكس بشكل أساسي على حركة السلع والبضائع والتدفقات النقدية والمالية (2) , حيث تنوعت طرق عرض وتسويق البضائع و بات المرء قادر على متابعة رصيده في مختلف بورصات العالم وهو في منزله. وهذا ما أدى إلى تدني حاد في أسعار النفط. وهنا يطرح السؤال حول المستفيدين من هذه الثورة, فمزايا هذه الأخيرة  حكراً على بعض الناس, حيث أصبح الناس يفرقون بين مستخدم الانترنت ومن يجهل ذلك و للتدليل على مدى الفجوة في الاستفادة من هذه التقنيات بين الشمال والجنوب. يكفي القول أن مجموع المشتركين في خطوط الهاتف في كل أفريقيا هو أقل من مجموعهم في اليابان.

تطور الأسواق المالية :

 إن وفرة الدولار التي نتجت عن الرساميل التي وضعتها الدول الاشتراكية( سابقاً ) مضافاً إليها الرساميل الهائلة التي اتجهت نحو المصارف الغربية, و كذلك الخضّة الهائلة التي تعرض لها النظام النقدي الدولي العام 1971, التي أدت إلى خلق نظام نقدي دولي خاص تحكمه المصارف وهيئات التمويل العالمية ( أي صناديق التمويل وشركات التأمين) والشركات عابرة الوطنية. وجاءت ثورة التقانة لتعزز الاتصال بين مختلف المراكز المالية العالمية حيث أصبحت الأسهم تتداول في معظم الأسوق العالمية دون قيود. (3) غير أن هذا لا يعني أن الأنظمة المالية الوطنية قد ألغيت بل لقد تم دمجها في شكل شديد التنظيم وبصورة متدرجة.(4) هذا الدمج أدى

إلى تقييد السياسة المالية للدولة الوطنية حيث باتت أسعار الصرف تتأثر بشدة بحركة الرساميل الريعية. ولا يمكن لأحد أن أن ينسى الأزمة التي عانت منها دول جنوب شرقي آسيا نتيجة لسياسات التحرر المالي التي اتبعتها تلك الدول مما أوقعها في فخ المضاربات الساعية فقط للربح السريع والكبير من دون الأخذ بعين الأعتبار النتائج

1-عدنان حسين , نظرية العلاقات الدولية , منشورات الجامعة اللبنانية. بيروت 1998 .

2-ريمون حداد , م س ص522

3-حازم الببلاوي , النظام الاقتصادي الدولي المعاصر م س ص113

4-ريمون حداد , م س ص533.

الكارثية على المستويات الأجتماعية والتنموية. وحتى دول الشمال الصناعي لم تسلم من

أضرار هذه العولمة المالية المنفلتة , فقد أجبر جورج سوروس أحد أشهر المضاربين الماليين  الحكومة البريطانية على تخفيض سعر عملتها سنة 1992 , فإذا كان هذا حال دول الشمال ذات الاقتصاد القوي  القادر على مواجهة الأزمات فكيف الحال بدول الجنوب المجبرة على تحرير أسواقها المالية ؟‍‍‍ بالتأكيد فانها ستكون ,عرضة لأزمات أكثر خطورة من الشمال ذلك أن التنظيم والتوزيع المالي أصبح يتقررعالمياً (1) و قد شبه الكاتب الأمريكي Thomas Lawton السوق المالي المعولم "بالكازينو". غير أن الفرق هو أن الأخير لديك الحرية في الذهاب إليه أو الإبتعاد عنه متى شئت، أما "كازينو العولمة" المالية فالانخراط به يتم بشكل لا ارادي وهذا ما ينطبق على بلدان الجنوب. يبدو أن دول الشمال مصرة على اتباع سياسة إدارة الأزمة, فقد عملت على معالجة الأزمة الناتجة عن  الفوائض المالية الممولة من خلال سياسة لبرلة الحركات المالية على الصعيد العالمي, تبني مبدأ الصرف العائم, ورفع أسعار الفائدة, وضمان سداد خدمة الديون لبلدان العالم الثالث،و تشجيع الخصخصة. (2) دون الإهتمام بما سينجم عم ذلك من مشاكل على الصعيد الإنساني والإجتماعي .

وإن ما يمكن ملاحظته هنا هو أن دول الشمال, وعلى رغم تضررها، من هذه العولمة المالية فإن استفادتها ستكون أكبر وإلا لماذا تضغط على دول الجنوب من خلال صندوق النقد الدولي من أجل اتباع سياسة التحرر المالي والخصخصة إلخ  .

3-دور الشركات عبر الوطنية

إن أهم القوى عبر الوطنية التي يعرفها العالم اليوم ولا يعترف بها القانون الدولي كأشخاص في العلاقات الدولية هي الشركات متعددة الجنسية, وتكمن أهمية هذه الشركات كونها مفتاح أساسي لعولمة الاقتصاد (3) هذا وتمثل أكبر الشركات العملاقة 4\5 من الناتج الصناعي العالمي حيث يعمل ثلثي الأيدي العاملة العالمية, ولعل الآداة الرئيسية التي تستخدمها هذه الشركات في عولمة الاقتصاد هي الاستثمارات الخارجية المباشرة "FDI" والتي نمت بشكل مضطرد حتى وصل خلال التسعينات إلى 350بليون $ كما نمت في نفس الفترة في الدول الأكثر فقراً بمعدل 15% سنويا. ووصلت هذه السنة إلى 143بليون $(4).  هذه القدرة على السيطرة في حركة رؤوس الأموال والاستثمارات تمنح الشركات الكبرى قدرة  هائلة على

1-Thomas . c .Lawton , Strange power shaping the parameters , Ashgote , U.S.A 2000

2-سمير أمين في مواجهة أزمة عصرنا , الإنتشار العربي ,ط1 بيروت 1997 ص37.

3- Robert Gilpen < Global political economy < Prinston University  U.S.A 2001 .

4- www.worldbank.org

التحكم في مصائر الدول وخاصة دول الجنوب, ولعل أغرب المفارقات اليوم أن حكومات هذه الدول بعد أن كانت تشتكي من هيمنة هذه الشركات على اقتصادها وتدخلها في شؤونها الداخلية، أصبحت اليوم تركض خلف هذه الشركات لتستثمر أموالها لديها,فإذا سحبت الشركات أموالها تعرض اقتصاد البلد المضيف إلى أزمة حقيقية بل إن الأمر يأخذ منحنى أخطر حيث أن دول الشمال أيضاً أصيبت بنفس المشكلة. وهذا هو الفرق الأساسي بين الشركات عبر الوطنية القديمة (أي خلال حقبة الاستعمار) حيث أن هذه الأخيرة كانت تعمل كأداة للسيطرة تستخدمها الدولة الأم أما اليوم فالشركات تتحكم بسياسات الدول الكبرى و ما يحدث هذه الأيام في العراق يقدم دليلا ًدامغاً على ذلك, فالولايات المتحدة بدأت بتلزيم آبار النفط واستدراج العروض من أجل إعادة إعمار العراق, وهذا ما أثار حفيظة الشركات البريطانية التي أعلنت عن استيائها بشكل, من الاستفراد الأمريكي الواضح.

يبدو أن دول الجنوب تقع بين مطرقة الدول الكبرى سياسياً وسندان الشركات عبر الوطنية اقتصادياً .

 

4-      ازدهار المبادلات التجارية الدولية .

لقد عملت المجموعة الدولية وتحديداً الدول المنتصرة في الحرب العالمية على تعزيز المبادلات الدولية , ربما لآنها وسيلة مهمة جداً لمنع تجدد النزاعات , بحيث إذا وصلت الأمم إلأى درجة كبيرة من الإعتماد المتبادل, يصبح من الصعب عليها الدخول في نزاعات طاحنة . وقد تم إنشاء الGATT  لتحقيق هذا الغرض التي عملت على التحرير التدريجي للتجارة الدولية, وبالفعل فإن مرحلة ما بعد الحرب شهدت ازدهار كبير في المبادلات الدولية وصلت حتى منتصف السبعنات إلى زيادة سنوية بنسبة 8.5 بالمئة (ر) .

ولكن هذا الازدهار كان يصب في مجمله لمصلحة دول الشمال  وذلك لأن البنيات الصناعية في الأخيرة أكثر تطوراً من تلك الموجودة في دول الجنوب مما يؤدي إلى التبادل للامتكافئ .ومن جهة أخرى فقد هبطت نسبة التجارة في المواد الأولية مقابل ارتفاع نسبة التجارة في المواد المصنعة مما وجه ضربة قوية لاقتصادات الدول النامية, فضلاً عن الدور الذي تلعبه الشركات عبر الوطنية فيما بات يعرف بالتجارة البينية أي بين فروع هذه الشركات, وبهذا وجدت دول الجنوب أن الفائدة الوحيدة من التجارة الحرة هي خسارتها للموارد المالية الناتجة عن التعرفات الجمركية  .

هذا الوضع إضافة إلى تطور العولمة الاقتصادية دفع نحو إنشاء منظمة التجارة العالمية ,

ـــــــــ

1- ريمون حداد , مس , ص 538 .

 

 

لتكون الأداة الرئيسية لتحرير التجارة والحفاظ على مصالح الدول النامية , بيد أن التجربة

العملية أثبتت بأن الوضع لم يختلف كثيراً عن السابق بل ربما زاد سوءاً , فدول الجنوب بات مطلوب منها الانصياع للنمط النيوليبرالي في تحرير التجارة وفي مهلة قصيرة جداً لا تكفي لتمكين اقتصادها من التأقلم مع العولمة النيو ليبرالية , وهذا ما يجعلها فريسة للدول التي أخذت كل الوقت اللازم لمواجهة هذا التحدي.وحتى نظام فض النزاعات الذي من المفروض أن يساعد الدول التامية على أخذ حقوقها لم يكن مناسباً كونه يعتمد آلية الإجراءات الانتقامية .

 

ثانياً - العامل السياسي .

غالباً ما يتأثر أصحاب القرار السياسي بالطروحات الفكرية السائدة في عصرهم , وقد شهدت أواخر الثمانينات عودة الأفكار الليبرالية التي طرحها آدم سميث وريكاردو والتي تدعو إلى رفع يد الدولة عن المجال الاقتصادي , وقد برزت هذه الطروحات بشكل أساسي في الولاايات المتحدة  . والتي ادت بدورها الى تهميش دور الدولة وابتعادها عن التحكم فى القررات المصيرية على المستوى المحلى و الاقليمى والدولى واطلقت العنان للتحرر المالى والتجارى من خلال سياسات الخصخصة ,و تشريع الأبواب أمام الإستثمارات المباشرة الداخلة والخارجة  , وبما أن المؤسسات الدولية متعددة الأطراف تبنت فوراً هذه الطروحات و ذلك من يوم ما أصبحت هذه الأطروحات الكتاب المقدس الجديد لدى إدارة البيت الأبيض(1) , فقد إجبر صندوق النقد والبنك الدوليان , للدول الرازحة تحت سيطرتهما نتيجة مديونيتها , على اتباع سياسات التثبيت والتصحيح الهيكلي والتي أدت إلى نتائج كارثية في تلك الدول . مع العلم أن هذه السياسات أدت في بريطانيا إلى نتائج سلبية جداً , وبالتالي فإن الوضع في دول الجنوب سيكون دراماتيكياً أكثر بكثير ,وبعكس ما ينظًر مؤيدي العولمة من أنها ستؤدي إلى تحقيق الرفاه والتنمية للجميع فإن الواقع أثبت عكس ذلك  وللتدليل على هذا نعرض لأهم النتائج التي أدت إليها عولمة النيوليبرالية وتأثيرها في العالم بشكل عام ودول الجنوب بشكل خاص والتي يمكن تلخيصها بالآتي :

-       ارتفاع نسبة البطالة في كل مكان .

-       انخفاض عوائد العمل .

-       تفاقم التبعية الغذائية لبلدان عديدة.

-       تفاقم ظروف البيئة تفاقماً خطيراً على الصعيد العالمي .

-       تفكك انظم الانتاجية في العديد من الأقطار .

-       وضع عوائق متصاعدة في سبيل تدعيم النظم الديموقراطية .

-       استمرار تضخم عبء الديون الخارجية لدول الجنوب .(س)

بعد هذا العرض لنتائج العمولمة النيوليبرالية يتبادر للذهن سؤالين جوهريين : هل يمكن في ظل هذه العولمة الحديث عن مساواة في النظام الاقتصادي الدولي ؟! , وهل أن هذه العولمة قطعت نقطة اللاعودة ؟! .

1- سمير أمين , في مواجهة أزمة عصرنا , م س , ص 39 .

2- سمير  أمين ن س ص 38 .

بعد عرضنا لأهم الأسس التي تقوم عليها العولمة الاقتصادية وتأثيرها على كل من الشمال والجنوب نجد أنه لا يمكن الحديث إلا عن عدم مساواة صارخة في العلاقات الاقتصادية الدولية , هذه اللامساوة كانت موجودة منذ ليبرالية القرن الماض, وفشل دول الجنوب في تغيير اللامساواة الناتجة عنها أدى إلى خلق لامساواة أشد وطأة في ظل النيو ليبرالية التي نعيشها اليوم .

 إن ما يمكن استخلاصه هو أن الحوار بين الشمال والجنوب كان محاولة من هذا الأخير لإيقاف تقدم العولمة النيوليبرالية , إلا أنها باءت بالفشل مما أدى إلى زيادة الهوة بين الشمال والجنوب بشكل لم يعد يهدد دول الجنوب فحسب بل البشرية جمعاء .

أما بالنسبة للسؤال الثاني فإن العولمة النيوليبرالية تقوم على ضرورة إلغاء الضوابط على الأسواق , ووحسب المراقبين الاقتصاديين لا يوجد أسواق دون ضوابط بل السؤال هو من الذي يضيط وكيف . (2) لذلك فإن نقطة اللاعودة هي ليست  مصيرية وليست قدراً محتوماً أمام دول الجنوب بل يمكن وضع ضوابط لتنظيم عمل هذه العولمة لجعلها تعمل لصالح الجميع .

1- سمير أمين , الاقتصاد السياسي للتنمية , ترجمة فهيمة شرف الدين , دار الفرابي , ط بيروت 2002 .ص 33

القسم الثاني : الحلول المقترحة .

تمهيد :

إذا كانت العولمة الاقتصادية قدراً محتوماً , فإن عدم المساواة الناتجة عنها ليست كذلك . حيث ثمة حلول لمواجهة هذه اللامساوة  , ومنها ما يقع على عاتق دول الجنوب أنفسها ومنها ما يحتاج إلى العمل العالمي المشترك وعلى جميع الأصعدة , وذلك بداً بمؤسسة الدولة ومروراً بالمنظمات الدولية وصولاً إلى المنظمات الدولية غير الحمومية ..

بناءاً لما تقدم سنتتطرق في هذه الفقرة إلى ما يتعلق بدول الجنوب وتحديداً نحو تعزيز التعاون جنوب جنوب أولاً ثم نتطرق إلى الدور الملقى على عاتق البشرية جمعاء من خلال ما بات يعرف بالتنمية المستدامة .

الفقرة الاولى : التعاون جنوب-جنوب .  

لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل دول الشمال كامل المسؤولية عن عدم الإنصاف في النظام الاقتصادي الدولي , فدول الجنوب تتحمل قسطاً من هذه المسؤولية. فكما تبين من خلال عرضنا للحوار العربي الأوروبي فإن الدول العربية كانت و ما تزال عاجزة عن التعاون في ما بينها, فكيف ستتعاون ما مجموعة أخرى. وهذا ما ينطبق على كل دول الجنوب باستثناء دول آسيان طبعاً. ونفس الشيء ينطبق على أزمة المديونية, فما الذي منع الدول المستدينة من أن تستفيد من وفرة الدولار كما استفادت منها دول جنوب شرق آسيا ؟!

إن العولمة الاقتصادية ليست شريرة إلى الحد الذي يذهب إليه الماركسيون الجدد, والدليل على ذلك هو أن طروحات الجنوب من أجل قيام النظام الدولي العادل لا تتنافى مع العولمة الاقتصادية, فهي تطالب بتجارة دولية مفتوحة, كما أنها لم تطالب بمنع عمل الشركات عبر الوطنية بل ضبط أعمالها فقط لجعلها تتلاءم ومسيرة التنمية التي تتبعها.

إن اكتفاء دول الجنوب بالشكوى وانتقاد النظام الدولي المهيمن لن يوصلها إلى أي نتيجة مرضية, فدول الشمال لن تتحرك لنجدتها وهي تعلم أن أحد أهم أسباب نموها هو سيطرتها على ثروات الجنوب.وبالتالي لابد من الإعتماد على الذات, غير أن الإعتماد على الذات لا يجب أن يكون على الصعيد الداخلي فحسب بل يجب أن يكون على مستوى الجنوب ككل(1).فالدول النامية قد تكسب الكثير لو سهلت دخول أسواق بعضها البعض, فمازالت الحواجز فيما بين الدول النامية أعلى منها بين الدول النامية والدول المتقدمة (*). وينم ذلك من خلال

1- Julius. K.. Nylele , Facing the challenge , responces to the south commition ,South Center , London 1983.

2-جون جراي , الفجر الكاذب , م س ص

تحرير التجارة وانتقال رؤوس الأموال والتكنولوجيا عبر الجنوب.إضافة إلى  إقامة وتفعيل المنظمات الدولية المعنية بتحقيق هذا التعاون ..

والذي يدعو إلأى التفاؤل بعض الشيء هو أن دول الجنوب لن تبدأ من الصفر , فمع وجود منظمة دولية تهتم بالتجارة والتنمية مثل U.N.CT.A.D ما هو الداعي للانضمام لمنظمة التجارة العالمية والتي يتم اتخاذ القرار فيها داخل الغرفة الخضراء. ( الغرفة التي يجتمع داخلها الثلاث الكبار قبل المفاوضات) .

كما أنه من الضروري تفعيل اتفاقيات الدول المصدرة للمواد الأولية , لعل منظمة الO.P.EC كانت تجربة مهمة جداً على هذا الصعيد. أما عن أزمة المديونية, فينبغي على الدول الجنوب إنشاء اتحاداً للدول المدينة لأن اجتماعها يمكنها من المفاوضة بشكل أفضل.

أما عن المشاريع التنموية, فالرساميل النفطية لا تزال ذات أهمية, كما أنه بات لدى الجنوب دول صناعية في جنوبي شرق آسيا والتي من الممكن أن تقدم التكنولوجيا المتطورة والتمويل اللازم كونها تملك أكبر احتياطي نقدي في العالم.

كل ما سبق يتعلق بالجانب الاقتصادي, بيد أن الجانب السياسي لا يقل أهمية, فالجنوب يعاني من نزاعات مزمنة يجب إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الإقليمي, في ظل هذه النزاعات تتهدد التنمية البشرية (1).. المبنية على ثلاث أبعاد:طول العمر,المعرفة ،و مستوى المعيشة الائق (2). أما على الصعيد الداخلي فلا بد من إصلاح الأنظمة السياسية ووتفعيل  المحاسبة , وهذا من شأنه أن ينعكس على حسن سير الإدارات العامة في دول الجنوب .

وهكذا وبقدر ما تتمكن دول الجنوب تدعيم صفوفها عبر التعاون والتضامن فيما بينها , بقدرما تستطيع تحسين وضعها في الاقتصاد الدولي .

1- -عدنان حسين , العرب في دائرة النزاعات الدولية , مطبعة سيكو , ط1 بيروت 2001 , ص47 ,

2-تقرير التنمية البشرية 1998 , برنامج الأمم المتحدة الإنمائي U.N.D.P نيو يورك 1998 , ص15 .

الفقرة الثانية : التنمية المستدامة sustainable development.

إن الطريقة التي اتبعتها دول الشمال لكي تصل إلى النمو الذي هي عليه الآن كان مكلفاً جداً وخاصة من الناحية البيئية , كما أنها اعتمدت في نموها على استعمار غيرها من الدول, فهل دول الجنوب قادرة على أن تتبع نفس مسار الدول المتقدمة وخاصة في ظل أجواء وإضطرابات عالمية لا مثيل لها إن على الصعيد البيئي أو على الصعيد الإقتصادي الإجتماعي والساسي .

حقيقة نحن بحاجة إلى معايير جديدة للعلاقات الاقتصادية الدولية , هذه المعايير يجب أن تطرح موضوع التنمية المستدامة من خلال استغلال الموارد وتوحيد التكنولوجيا والمؤسسات

بشكل يتناسب مع الرد الأفضل على الحاجات والمتطلبات الانسانية وذلك من خلال تطّويع ثورة التكنولوجيا لخدمة أهداف التنمية للدول النامية, من خلال التوجه إلى المجتمعات الصناعية الكبرى وإجبارها على احترام التوازن البيئي وإلا فنحن سائرون نحو الهاوية, وإذا ما أردنا فعلاً إنقاذ أولادنا وأحفادنا, يقتضينا ذلك أن نعمل على إحلال الإقصاد البيئي والاجتماعي على المستوى الدولي محل الاقتصاد النيو ليبرالي(1). فما هو مفهوم التنمية المستدامة وما هي أسبابها وما هي البدائل التي تطرحها  ومن خلال أي وسيلة وضمن أي إطار يمكن أن تحدد متطلباتها واهتماماتها ومبادئها وما هو تأثير العولمة عليها .

 

1مفهومها :

 تعني الحفاظ على التوازن البيئي وإمكانية توفيره لأجيال مقبلة ,أي بمعنى أخر حفظ الموارد للأجيال القادمة .(2)

وقد بدأ هذا المفهوم يظهر فب الأدبيات التنموية الدولية في أواسط الثمانينيات تحت تأثير الإهتماتمات الجديدة في الحفاظ على البيئة ونتيجة للإهتمامات التي أثارتها دراسات وتقارير نادي روما الشهيرة في السبعينيات حول ضرورة الحفاظ على الموارد الطبيعية القابلة للنضوب وعلى البيئة والتوازنات الجوهرية في الأنظمة البيئية The Eco systems (2)

1-ريمون حداد , م س ص 592 .

2- ريمون حداد محاضرات دبلوم علاقات دولية 2002 .

3- جورج قرم التنمية البشرية المستدامة والاقتصاد الكلي , سلسلة دراسات التنمية البشرية المستدامة رقم 6 , الأمم المتحدة , نيو يورك 1997 ص3 .

         2- أسبابها

 انتشر استعمال هذا المفهوم بسبب أولاً  تكاثر الأحداث المسيئة للبيئة, وثانياً ارتفاع درجة التلوث عالمياً, ثالثاً تعثر الكثير من السياسات التنموية المعمول بها في بلدان العالم الثالث والتي أدت إلى :

أ-تفاقم المديونية الخارجية وتردي الانتاجية .

 ب-توزيع الفروقات الإجتماعية في عدد كبير من الدول .

ج- المجاعة ( قلة التغذية لدى الفئات الفقيرة التي ساءت أحوالها في الثمانينيات(1)

      3-البدائل التي تطرحها .

أ-احترام حقوق الإنسان .

ب-احترام مقومات البيئة التي يعيش فيها الإنسان .

ج-الإهتمام بالقضايا الإنسانية والبشرية .

د-عدم التركيز على وسائل التنمية المادية فقط ( زيادة معدلات الاستثمار , والنمو

 الاقتصادي ) .

       4-الوسائل اللازمة .

الحوار الدائم ( الديموقراطي الطابع ) بين صانعي القرار من جهة , والفئات المختلفة في المجتمع المدني من جهة أخرى .

     5-الإطار

هو عبارة عن مؤسسة واضحة تؤمن أساليب التعبير لكل الفئات التي تعاني من مشاكل ومتاعب في حياتها , وتتجسد هذه الفكرة فب مفهوم الGOVERNANCE أي جدية أسلوب الحكم في مجتمع على أساس الحوار بين الحاكم والمحكوم وشفافيو تصرفات الحكام , ووضع قواعد واضحة لمسؤولية أهل الحكم ACCOUNTABILETY المحاسبة ( المساءلة) (2)

         6-متطلباتها.

- وضع ضوابط للوضعه العالمي الحالي للتكنولوجيا والتنظيم الإجتماعي وأثرهما على الموارد البيئية.

-  وإشباع الحاجات الأساسية للجميع وإمكانية تحقيق طموحاتهم نحو حياة أفضل .

- ضمان حصول الفقرا ء على حصتهم العادلة من الموارد الضرورية لتدعيم هذه التنمية ..

ــــــــــ

1- جورج قرم , التنمية البشرية المستدامة والاقتصد الكلي , م س ص 4

2-جورج قرم , ن س ص 5

 

 

 

 

- وجود نظام سياسي يؤمن مساهمة فعالة للمواطنين في اتخاذ القرارات .

- ممارسة ديموقراطية فعالة في اتخاذ القرارات الدولية .

   7- اهتماماتها .

- تطوير المهارات في تنظيم الوحدات الإنتاجية وفي آليات اكتساب العلم والتكنولوجيا وتطويرهما لأغرض التصنيع .

 - تنظيم سوق العمالة .(1)

 - تجهيز الموارد البشرية لأغراض التنمية .

 

      8- المبادئ التي تستند إليها .

- الإنصاف .:

أي حصول كل إنسان على حصة عادلة من ثروات المجتمعات وطاقاته وجدير بالذكر هنا أن العدالة ليست قاصرة على توزيع الدخل والثروة فقط بل أنها تتجاوز ذلك إلى توفير الفرص المتكافئة للجميع بدون استثناء . (2)

-  التمكين :

أي منح أعضاء المجتمع فرصة المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات , التأثير عليها.

-  حسن الإدارة والمساءلة :

أي خضوع أهل الحكم والإدارة إلأى مبادئ الشفافية والحوار والرقابة والمسؤولية.

- التضامن .

بين الأجيال وكل الفئات الإجتماعية داخل المجتمع .

    -تأثير العولمة على التنمية المستدامة .

هناك تأثيرات مختلفة للعولمة , البعض منها إيجابي والبعض الآخر سلبي , وهي

 

 

 

ـــــــــــ

1-حلقة بحث , بالقمة العالمية للتنمية المستدامة , 15-16 نوفمبر 2001 بيروت  , صادر , عن وزارة البيئة ص12 .

2-عاطف قبرصي , التنمية البشرية المستدامة في ظل العولمة , سلسلة دراسات التنمية البشرية رقم 10 الأمم المتحدة نيو يورك 2000 ص 28 .

 

 

 

دون حصول المزيد من استغلال الموارد الطبيعية بشكل عشوائي وكذلك في مجال القوى البشرية لمنع تعرض مستوى الأجور والرواتب للتدني تحت تأثير زيادة معدلات البطالة  .

  كل هذه الطروحات ما زالت تحلق في الإطار النظري ولم تستطع أن تخرج من             الطروحات إلى التطبيق العملي ,وأكبر دليل على ذلك هو أن قمتين للأرض لم عقدتا بفاصل زمن قدره 10 سنوات لم تتوصلا إلى مواجهة الأزمات التي يعاني منها العالم اليوم .

في يوم افتتاح قمة الأرض في جوهاسبورج آب 2002 وفي محاولة للسعي لتقريب الشمال والجنوب ... اعتبر رئيس جنوب أفريقيا ( مبيكي ) بأن الهوة الكبيرة بين الشمال والجنوب, بين أقلية ثرية تتمتع بدرجة عالية من الرفاهية لم يسبق لها مثيل, وعالم ثالث يشهد أزمات ويتحمل معاناة الفقر والنزاعات, وبمرور 10 سنوات على قمة الأرض الأولى في ريو 1992 بدون تحقيق المقترحات والأهداف من تلك القمة , أطلق مبيكي صرخته بأنه لا يمكن لأحد أن يقف و أن يبقى غير مبالي لما يحدث.(1) واضاف مبيكي فى اليوم الثانى للقمة بان هذا المجتمع البشرى الذى يتسم بجزر من الثراء يحيط بها بحر من الفقر لا يدوم )2)

وتزداد هذه الهوة اتساعاً وعمقاً بشكل خاص عندما يرفض الأوروبيين والأمريكيين تقديم أي إلتزامات دولية جديدة .تجاه أوضاع الجنوب المتردية , وما زاد هذه القمة تشاؤماً غياب هو بعض رؤسات الحكومات والدول التي تلعب دوراً مهما في رسم السياسة الدولية. (3)

والجدير بالذكر أن غياب هذه الحكومات قد فسح المجال لحضور مكِثُف للشركات العبر وطنية والي تحاول تسويق نفسها كبديل عن الحكومات في هكذا قمم المعنية بإطلاق عملية التنمية وذلك باستخدام ضغوطات أكبر لتعديل قوانين الرقابة البيئية لمصلحتها . ...والسؤال المطروح هنا : هل هناك من تنسيق بين هذه الشركات وحكومات الدول الكبرى . ...‍!؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ـــــــــ

1- جريدة النهار , 26 آب 2002 , العدد 21362 ..

2- www.annahar .com  27 أب 2002

3- ن س 28 أب2002 .

 

 

 

الخلاصة :

 

إن التعاون بين الشمال والجنوب هو تعاون بين طرفين , طرف غني ومتقدم تكنولوجياً , ويعبر عن جسم اقتصادي قطّع في سبيل إنشائه مراحل طويلة من التعاوان , وطرف فقير متخلف اقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً , له رغبة ملحّة في التعاون على كافة الصُعد ولكن هذه الرغبّة لم يقدر لها أن تترجم على أرض الواقع .

معنى ذلك أن الحوار بين الطرفين لا يُفترض منذ البداية أن يكون حواراً سهلاً أو ممهداً له, فهناك بنىً مختلفة ومصالح معقدة وغايات متناقضة , فضلاً عن أيديولوجيات متصارعة  .

إن طبيعة القوى التي صاغت مصير العالم المتخلف ما تزال لها تأثير قوي على الظروف في الوقت الراهن , وبالرغم من أن أشكالها تبدلت وشدة تأثيرها اليوم غيرها بالأمس , إلا أن مصدرها واتجاهها ظلا ثابتين دون تغيير , وهي تتحكم اليوم كما كانت تتحكم بالأمس في مصائر البلدان المتخلفة .

إن الحوار بين الشمال والجنوب ومحاولات التعاون جاءت خلال تطور الحركة النيو ليبرالية , وهذا كان أهم الأسباب التي أدت إلى فشل الحوار , ففي حين تعمل دول الشمال على المزيد من تقسيم العمل على المستوى الدولي , والتحرر الكامل من كل القيود التي تقيد حركة السلع والرساميل , أي التوجه نحو النيو ليبرالية , كانت دول الجنوب غارقة في معاناتها من نتائج ليبرالية القرن ال19 .

بيد أن طريقة التعاون كانت ذات وجهين من قبل الشمال , الأول يريد مد قنوات الاتصال بين الطرفين علماً بأن هذا لا ينفي استمراره باعتناق النيوليبرالية المتوحشة , أما الثاني فأنه يضع الحوار جانباً و يستخدم كافة الضغوطات السياسية والاقتصادية بل وحتى العسكرية لتحقيق ما يرغب به . ومع أننا لا نؤيد هذين الطرحين إلا أنه ليس بوسعنا العودة بالتاريخ إلى الوراء وفك الارتباط كما طلب سمير أمين لأنّ الإعتماد المتبادل قطع نقطة اللاعودة , حيث بات من المستحيل تجاهل الثورة التقنية والمعلوماتية الدافعة أكثر فأكثر باتجاه هذا الإعتماد , ولكن مع كل ذلك فإنه من  , الحمّق  , أن نعتقد أن وجود عالم مسالم بدرجة معقولة يجمع بين ألوان متعددة , وهويات ثقافية متميّزة , وعدالة إجتماعية نسبية , هو مثالي أو طوباوي .

إن التعاون بين الشمال والجنوب كان فاشلاً ولم ينجح لأنه كان يقوم على أهداف متناقضة ومصالح مختلفة وغايات متنابذة ويفتقر إلى ركن مهم جداً من أركان الحوار الناجح وهو المساواة بين الأطراف .

إن المساهمة في بناء وصنع السلام وفي منع العنف والصراعات عن طريق تدعيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون , والحوار بين مختلف الثقافات ومحاربة الفقر , ورفع مستوى الدخل ومعالجة مشكلة الديون في العالم الثالث , وتدعيم مفهوم التنمية المستدامة,  والعمل على تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بالبيئة .كل هذا الأفكار صحيح أنه يغلب عليها الطابع الديموقراطي والعقلاني , إلا أن طرحها في الإطار النظري شيء والعمل على تنفيذها شيء آخر .

وما الإدارة الدولية التي يتم طرحها حالياً سوى جزء من حل ربما تكتمل جوانبه برغبة وإرادة واعية لكل الأطراف في الوصول إلى صيغة التعايش السلمي ضمن منظومة تحترم التنوع والتعدد على كافة أشكاله .

هذه الإدارة الدولية تطرح اليوم كوسيلة لضبط العولمة النيو ليبرالية لجعلها تعمل لصالح الجميع.

بيد المشكلة التى ستواجه دول الجنوب فى حال قيام هذه الإدارة هى نفس المشكلة التى واجهتها في الحوار مع الشمال ,الا وهى التخلف الاقتصادى والاجتماعى والسياسي والتقنى .

فهذه الإدارة هي عبارة عن هيئة مكونة من مؤسسة الدولة والشركات عبر الوطنية ومنظمات المجتمع المدنى ومن المعلوم ان مؤسسة الدولة مهترئة فى دول الجنوب اما الشركات عبر الوطنية فتبعية هذه الدول لها باتت من العلامات المميزة لهذه الدول اما منظمات المجتمع المدنى فلا تزال فى البدايات .

اذا ًما الذى ستقدمه دول الجنوب لهكذا نوع من الإدارة , او بعبارة أخرى هل ستكون مشاركة دول الجنوب فعّالة فى هذه الإدارة ام انها ستلعب دور المتلقى السلبى لقرارات هذه الإدارة .

سؤال سوف نترك الاجابة عليه للمستقبل القريب ..........!!! ,ولكن ينبغى التنويه الى أنه ما لم يتم الوصول الى حلول جزرية لمشاكل الجنوب من الفقر والتخلف وانتشار النزاعات فيما بينها فنحن متجهون نحو كارثة محققة لا محال .........!!  حيث ان تفشى الأمراض واختلال التوازن البيئي من جهة وارتفاع معدلات البطالة والتضخم من جهة اخرى ,ناهيك عن انتشار الإرهاب الدولي والجريمة المنظمة , كل هذا ينذر بعواقب وخيمّة ,إذا لم يذعن أطراف المجتمع الدولي برمته الى التعاون والحوار البنّاء والشامل على كافة المستويات وذلك بالإعتماد على مؤسسة الدولة والمنظمات الأقليمية والعالمية دون اغفال دور الشركات عبر الوطنية ( المضّبوطة ) ومؤسسات المجتمع المدنى العالمى .

 


المراجع .

 المراجع العربية .

الكتب:

1-     حداد ريمون . العلاقات الدولية .دار الحقيقة بيروت 2000 .

2-      أمين سمير . في مواجهة أزمة عصرنا . الانتشار العربي .ط1 . بيروت 1997 .

3-     أمين سمير . الاقتصاد السياسي للتنمية .ترجمة فهيمة شرف الدين . دار الفرابي ط1. بيروت 2002 .

4-     عوض الله زينب . العلاقات الافتصادية الدولية . لا طبعة . الدار الجامعية . لا طبعة . لا تاريخ .

5-     كولير باول . دولار ديفيد . العولمة والنمو والفقر . ترجمة هشام عبد الله . المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1 بيروت 2003 .

6-     العزي غسان سياسة القوة . مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثسق . ط1 بيروت2000.

7-     حسين عدنان . العرب في دائرة النزاعات الدولية .مطبعة سيكو .ط1 بيروت 2001 .

8-    حسين عدنان . نظرية العلاقات الدولية .منشورات الجامعة اللبنانية .بيروت 1998 .

9-     مجموعة باحثين . حوار الشمال والجنوب وجهة نظر عربية . معهد الإنماء العري . ط1 بيروت 1983 .

10- ببلاوي حازم . النظام الاقتصادي الدولي المعاصر .عالم المعرفة 257 . الكويت 2000 .

11- بيترمان هانس  شومان بيتر , فخ العولمة , عالم المعرفة عدد238 الكويت 1998  .

12- هدية عبد الله , حوار الشمال والجنوب , وأرمة تقسيم العمل والشركات المتعددة الجنيبة , دار الشباب , قبرص ط1 1986,

13- مجموعة باحثين , الحوار شمال جنوب وجهة  نظر عربية . معهد الإنماء العربي ط1 بيروت 1983 .

14- سعيد عبد المنعم و الحوار العربي الأوروبي , مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بيروت 1977 .

15- الدجاني أحمد , الحوار العربي الأوروبي الفكر والمسار والمستقبل .

16- زكي رمزي , أزمة المديونية الخارجية , الهيئة المصرية للكتاب ط1 القاهرة 1978.

17- جراي جون الفجر الكاذب , ترجمة أحمد فؤاد بلبع , مكتبة الشروق , ط1 القاهرة 2000 .

 

المشورات .

1-    تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية 1998 .

2-    جورج قرم, التنمية البشرية المستدامة والاقتصاد الكلي , سلسلة دراسات التنمية البشرية المستدامة رقم 6 الأمم المتحدة نيو يورك 2000 .

3-    عاطف قبرصلي , التنمية البشرية المستدامة في ظل العولمة , سلسلة دراسات التنمية البشرية عدد 9 , الأمم المتحدة نيو يورك 2000 .

4-    ميثاق حقوق الدول وواجباتها الاقتصادية والإجتماعية .

 

الانترنت :

الانترنت :

1-www.annahar.com .

2- www.debtchannel.org .

3-www.worldbank.org.

4-www.jubeelee.org  .

 

المراجع الأجنبية :

1- , Globolisation unmasked Imperialism in 21st century, ZED books, Canada 2002

2- Minta .I.K , the Lome convention & the new economic order .Haoward University . whashengton 1983

3- Lawton Thomas , Strange power shaping the parameters , Ashgote , U.S.A 2000

4- Gilpen Robert . Global political economy . Prinston University  U.S.A 2001 .

5- Nylele julius , Facing the challenge , responces to the south commition ,South Center , London 1983

                                        

   Hit Counter

26.02.2013 09:44:18